الأحد، 10 مارس 2013

(1) التسبيح فى حياة مريم النبية

نبذة عن مريم النبية :
اسم عبري معناه "عصيان" وهو اسم:
اخت موسى وهارون وابنة عمرام  ( 1 اخبار 6: 3). ويظن أنها كانت أكبر من موسى نحو عشر سنين بدليل أنها راقبت سفط البردي الذي اخفي فيه موسى بين الحلفاء واذ رأت ابنة فرعون تكشف عن الصبي قالت: "هل أتي لك بمرضعة؟" ثم ذهبت وأحضرت أم الولد فأرضعته (خر 2: 4-10). وبعد عبور البحر الأحمر رنمت بعد ترنيمة موسى الشهيرة
(خر 15: 20) غير أنها لما اتحدت مع هارون في التذمر على
موسى بسبب زواجه من المرأة الكوشية ضُرِبَت بالبرص. ثم إذ صلى موسى إلى الله من أجلها شفيت من هذه الآفة الكريهة (( عد 12: 1 - 15). وماتت في قادش ودفنت هناك (عد 20: 1) .
وأهم ما يميز مريم أخت موسى فى حياتها ثلاثة مراحل :
1) مريم الحارسة لأخيها
2) مريم المرنمة مع أخيها
3) مريم الحاسدة لأخيها
وما يهمنا هنا من جوانب حياة مريم هو جانب مضئ فى حياتها : مريم المرنمة والمسبحة للرب مع أخيها موسى .
يرى القديس جيروم في مريم أخت هرون كقائدة روحية للنساء في ذلك الوقت، صورة حيّة لعمل المرأة في الكنيسة، هذه التي تُكرِّس حياتها لتسبيح الرب وتعليم الأخريات هذا العمل. علَّمت مريم صاحباتها أن يكُنَّ موسيقيَّات لكن للمسيح، يضربن العود لكن للمخلص. تقضي في هذا العمل النهار والليل فتصنع بهذا زيتًا في المصابيح وتستعد منتظرة مجيء العريس .
كما رأى فيها القديس أمبروسيوس صورة رمزية للكنيسة المترنمة للرب على الدوام ففي حديثه عن العذارى، قال: [ألم تكن رمزًا للكنيسة بروح بلا عيب تجمع الجماهير المتدينة لتُنشد الأناشيد الإلهية؟! إن تصرف مريم مع النساء  يمثلن مركب السماء، وقد تهلل السمائيون إذ رأوا الأرضيين خرجوا منطلقين نحو السماء.
كانت مريم النبية أولى مريمات الكتاب والأم الأولى فى إسرائيل فتاة رائعة حلوة جميلة فتاة بلغت مرتبة الزعامة والقيادة في شعبها وضعها الله جنبًا إلى جنب مع أخويها « أرسلت أمامك موسى وهرون ومريم » . كانت فتاة كالطود الشامخ، امتد اسمها وارتفع ودوى وذلك لأنها أفنت نفسها وعاشت لغيرها ولفظت من حياتها تلك الكلمة البغيضة « أنا » على أنها، يا للاسف لم تستطع هذا إلى النهاية وفشلت في معركة النفس وهي على أبواب النصر ساعة التداني من الموت فحمل التاريخ لنا صورة محزنة لمريم البرصاء صورة الغيمة تأتي ساعة الغروب فتبدد ذلك الجمال الأخاذ الذي يبدو مع أضواء الغسق المتكسرة التي توشك أن تضيع وراء الأفق.
مريم المرنمه :
" فَاخَذَتْ مَرْيَمُ النَّبِيَّةُ اخْتُ هَارُونَ الدُّفَّ بِيَدِهَا وَخَرَجَتْ جَمِيعُ النِّسَاءِ وَرَاءَهَا بِدُفُوفٍ وَرَقْصٍ.وَاجَابَتْهُمْ مَرْيَمُ: «رَنِّمُوا لِلرَّبِّ فَانَّهُ قَدْ تَعَظَّمَ! الْفَرَسَ وَرَاكِبَهُ طَرَحَهُمَا فِي الْبَحْرِ!»( خروج 15 : 20 , 21 )
ما احلى ان يرنم الانسان للرب عرفان بالجميل مثلما غنت مريم وقادت النساء فى الترنيم قائلين " الفرس وراكبه طرحهما فى البحر " كثيرا من النساء يستخدمون اصوات الغناء للعالم ولطرب الناس لكن ما اجمل ان يخدم الانسان الرب بصوته
وظلت مريم بعد ذلك أجيالاً طويلة في ذاكرة الشعب كأحد القادة العظام فيقول لهم الرب على فم ميخا النبي : " إني أصعدتك من أرض مصر وفكتك من بيت العبودية وأرسلت أمامك موسى وهرون ومريم " (مي 6: 3و4 (
ويذكر يوسيفوس المؤرخ اليهودي أنها كانت زوجة لحور ومن ثم كانت جدة لبصلئيل بن أوري الذي ملأه روح الرب " بالحكمة والفهم والمعرفة لإقامة خيمة الاجتماع " (خر 31: 1-5 (
مريم المرنمة مع أخيها :
انحنى موسى مع شعب الله في روح الولاء وعرفان الجميل، وغنى أغنية العظيمة على شاطيء البحر الأحمر غداة العبور، الترنيمة التي اعترف أكبر النقاد وباحثي الكتاب أن شعرها بلغ ذروة الفن الرفيع. ولعلنا لو سألنا موسى كيف بلغ بها هذا الحد من الروعة والإبداع، لأجابنا إجابة هايدن الموسيقار العظيم والملحن المبدع الذي قال حين استفروه عن سر ما في موسيقاه من روعة وترانيمه من سحر وعذوبة : « أذكر الله فقط إلهي وسيدي وملكي العطوف فيرقص اللحن أمامي قبل أن توقعه أناملي وتعزفه موسيقاي » أجل كان موسى مأخوذا بحنان الله وعطفه ورعايته، ففاض بهذه الأغنية الخالدة. على أن ترنيمته اكتسبت جمالاً أروع وأنصع بالدور الذي لعبته مريم، أذ خرجت مع بنات إسرائيل وأنشأن أكبر جوقة عرفها التاريخ وأجبن الرجال بالرقص والدفوف والغناء : « الفرس وراكبه طرحهما في البحر » وهنا تقف مريم أما لذوات الأصوات الساحرة والأغاني الشجية في كنيسة الله بل تقف أماً لعازفات الموسيقى في التاريخ. ولو أن أوغسطينوس وتايلور ومن على غرارهما الذين لم يتحمسوا للموسيقى في العبادة وقفوا في ذلك اليوم على شاطيء البحر الأحمر وأبصروا موسي ومريم يغنيان، لو أنهم تأملوا ذلك المنظر البهيج إذن لغيروا رأيهم ونزلوا عن عقيدتهم، كان لوثر يؤمن أن الموسيقى أجمل هبات الله وأروعها، وكان يطلب من الملوك، والأمراء، والسادة العظام، أن يولوها أكمل عناية وأجل تقدير. فهي في نظره تهذب وتعلم وتسمو بالناس فتجعلهم كثر لطفا ورقة وأدبًا ودعة وتعقلاً. كانت الموسيقى عنده تأخذ المكان التالي للاهوت.
من المحزن أن تتلوث الآلات الموسيقية بهذه الألحان الدنسة الآثمة، ومن المؤسف حقاً أن يتحول هذا الفن المقدس إلى ما نرى من القذارة والدعارة والنجاسة في الأماكن المفسدة. من لنا بمريم التي تغني للرب وللرب وحده، وترقص أمام الرب وأمام الرب وحده ؟ من سنين عديدة من مدينة لندن وفي حفل دعى إليه عدد كبير من علية القوم وواعظ مشهور في تلك الأيام اسمه قيصر ميلان .. غنت فتاة موهوبة الصوت فملكت على المدعوين كل مشاعرهم .. فدنا منها ميلان، وقد أخذ بصوتها الساحر، وقال : « أي أيتها الفتاة ! كم تخدمين المسيح لو كرست هذا الصوت العذب لأغانيه وترانيمه ! » غير أن الفتاة اشمأزت منه وقالت : « كيف تطلب مني أيها السيد مثل هذا الطلب ؟ » فأجابها « معذرة يا فتاتي : ولكني أظن أن المسيح يستحق أجمل ما فينا وأجل ما نملك من هبات » وتركها ومضى .. ذهبت الفتاة إلى دارها وارتمت في فراشها لتنام، ولكنها لم تستطع، فان وجه الواعظ التقى كان ما يزال مرتسمًا أمام عينيها وصوته المؤثر ما يزال يرن في أذنيها ويدوي في أعماق قلبها. حاولت عبثًا أن تقصي فكرها عنه ولكنها لم تتمكن. وبعد صراع عميق مرير نهضت قبيل الفجر وكتبت أغنيتها العظيمة المعروفة واتلي مطلعهاكما أنا أتي إلى فاد الورى مستعجلاً           إذ قلت نحوي أقبلا يا حمل الله الوديعأنتم لاشك عرفتم من هذه الفتاة ! انها شارلوت أليوت التي كرست صوتها الذهبي للمسيح ولقد حاول العالم مراراً متعددة أن يغريها بشجاعة : " إن الصوت الذي كرس للمسيح محال أن يتلوث بعد اليوم بأغاني العالم الفاسدة الشريرة " 

تعليقات مختصرة على أنشودة موسى ومريم ( أنشودة النصرة ) :

ترمز هذه التسبحة لتسبحة المفديين في السماء، إذ خلصهم الله وعبر بهم من العالم إلى السماء، تُستخدم هناك مع السيِّد المسيح (رؤ 15: 3). 

أصبحت هذه التسبحة تُمثل جانبًا حيًا في حياة موسى ومريم ، وقد حملت هذه التسبحة تعبيرات ومعانٍ جميلة تحتاج إلى كتاب مستقل، لكنني اكتفي هنا بعرض بعض الفقرات منها:

"أُرنم للرب فإنه قد تعظم. الفرس وراكبه طرحهما في البحر" [1].

بدأت التسبحة بتمجيد الرب الذي تمجد بالصليب حيث داس إبليس وكل قواته، ليعتق الذين سبق فأسرهم...

إنها تسبحة عذبة يترنم بها المسيحي كل يوم حين يرى الخطية تسقط بالصليب تحت قدميه، وكما يقول القديس أثناسيوس الرسولي: [لنغني مع موسى ومريم ... ونسبح مرتلين، إذ نرى الخطية التي فينا قد طُرحت في البحر، أما نحن فنعبر إلى البرية

"قد هبطوا في الأعماق كحجر" [5].

الأشرار إذن كالحجارة التي رفضت قبول عمل الروح القدس فيها لتصير أولادًا لإبراهيم، وكالرصاص الذي يغوص في المياه أي يغوصون في الملذات، أما القديسون فكالذهب المصفى بالنار.

"يمينك يا رب معتزة بالقدرة. يمينك يا رب تحطم العدو" [6].

يرى القديس أمبروسيوس في هذه التسبحة عمل الثالوث القدوس واضحًا، ففي هذه العبارة يعترف بالابن الذي هو "يمين الرب"، ليعود بعد قليل فيتحدث عن عمل الروح القدس "أرسلت روحك فغطاهم البحر" [10]

"قال العدو: أتبع أدرك أقسم غنيمة. تمتلئ منهم نفسي. أجرد سيفي. تفنيهم يدي" [9].

هذا هو عمل إبليس: الإرهاب المستمر والاضطهاد، فإن الشيطان كذاب ولا ينطلق بكلمة حق واحدة. يتكلم كثيرًا جدًا ويظهر جسارة عظيمة هكذا، لكنه بلا شك كلوياثان يصطاده المخلص بشص (أي 41: 1)

لقد حاول العدو أن يستخدم ذات الأسلوب مع السيِّد المسيح، ظانًا أنه يقدر أن ينزع اسمه من كورة الأحياء، لكن تهديدات العدو لم تهز قلب السيِّد المسيح بل حطمت العدو نفسه.

"من مثلك يا رب" [11].

ليس لله شبيه في قدرته وحبه وفي طبيعته بكونه غير المدرك ولا المنظور ولا متغير، بلا بداية ولا نهاية. هذا الذي ليس له شبيه أعطانا بالتبني أن نحسب أولادًا له لكي نتشبه به، كقول الرسول يوحنا: "أيها الأحباء الآن نحن أولاد الله ولم يظهر بعد ماذا سنكون، ولكن نعلم أنه إذا أُظهِر نكون مثله لأننا سنراه كما هو" (1 يو 3: 2).

"تمد يمينك فتبتلعهم الأرض" [12].

بقى ليّ أمر آخر، فقد قيل "تمد يدك فتبتلعهم الأرض". مدّ الرب يده فابتلعتهم الأرض. تأمل الرب وقد بسط يده على الصليب "طول النهار بسطتُ يدي إلى شعب معاند ومقاوم" (إش 65: 2). كان هذا الشعب الغادر يصرخ أصلبه، أصلبه... فعاقبه بالموت .

ابتلعت الأرض فرعون المتكبر الذي كان يظن أنه يُبيد شعب الله، أما الذين ابتلعهم الجحيم فنزل إليهم السيِّد المسيح، نزل إلى أقسام الأرض السفلى (أف 4: 9) لكي يخرجهم من أحشائها ويرتفع بهم، لا على سطح الأرض بل يدخل بهم إلى مسكن قدسه.

"حتى يعبر شعبك يا رب. حتى يعبر شعبك الذي اقتنيْته" [16].

كرر موسى النبي "حتى يعبر شعبك" ليُعلن أن غاية العمل هو الخلاص والعبور إلى الأبدية، ولتأكيد أن العابرين هم شعب واحد من أصلين: يهودي وأممي.

"تجيء بهم وتغرسهم في جبل ميراثك" [17].

يقول العلامة أوريجانوس: [الله لا يريد أن يغرسنا في مصر (محبة العالم)، ولا في أماكن فاسدة وشريرة، لكنه يريد أن يُقيمنا في جبل ميراثه. ألا تبدو الكلمات "وتجيء بهم وتغرسهم"، كأنما يتحدث عن أطفال يقودهم إلى المدرسة حتى يتثقَّفوا بكل أنواع العلوم... لنفهم كيف يفعل هذا؟ "كرمة من مصر نُقلت، طَرَدت أممًا وغرستها. هيأت قدامها فأصَّلت أصولها فملأت الأرض. غطى الجبال ظلها وأغصانها أرز الله" (مز 80: 9-11)... إنه لا يغرسها في الوديان بل على الجبال، في أماكن مرتفعة وعالية. لا يريد أن يترك الخارجين من مصر في الحضيض إنما يقودهم من العالم إلى الإيمان. يريد أن يقيمهم في المرتفعات. يُريدنا أن نسكن في الأعالي، لا أن نزحف على الأرض. لا يريد كرمته تلمس ثمارها الأرض بل أن تنمو دون أن تشتبك فروعها مع أي شجيرة، إنما تلتصق بأرز الله العالي المرتفع (مز 80: 11). أرز الله في رأيي هم الأنبياء والرسل، فإننا إن التصقنا بهم نحن الكرمة التي نقلها الله من مصر تنمو أغصانها مع أغصانهم. إن كنا نتكئ عليهم نصير أغصانًا مغروسة برباطات الحب المتبادل ونأتي بلا شك بثمر كثير.

"المقْدس الذي هيَّأته يداك يا رب" [17].

يقول العلامة أوريجانوس: [ما هو المقْدس الذي لم يقمه إنسان بل هيَّأه الرب؟ "الحكمة بَنت بيتها" (أم 9: 3). هذا الأمر إنما يخص تجسد الرب، فإن الجسد الذي أخذه ليس من زرع إنسان، إنما قام البناء في العذراء كما تنبأ دانيال "قُطع حجر بغير يدين... أما الحجر فصار جبلًا كبيرًا" (دا 2: 34، 35). هذا هو المقْدس الذي ظهر في الجسد، الذي قُطع بغير يدين، أي ليس من صنع إنسان .

"مشوا على اليابسة في وسط البحر" [19].

يقول العلامة أوريجانوس: [إن كنت أنت أيضًا من بني إسرائيل (الجديد) تستطيع أن تمشي على اليابسة وسط البحر. إن وجدت نفسك وسط جيل معوج وملتوي تُضيئ بينهم كأنوار في العالم متمسكًا بكلمة الحياة لافتخاري (في 2: 15-16). قد تسير وسط الخطاة دون أن تصيبك مياه الخطيئة، قد تسير وسط هذا العالم دون أن ترتد عليك مياه الشهوة...

من يتبع المسيح يسير مثله (على المياه)، فتكون له المياه سورًا عن يمينه ويساره [22]. يسير على اليابسة حتى يبلغ الحرية مترنمًا للرب بتسبحة النصرة، قائلًا: "أُرنم للرب فإنه قد تعظم" [1]