الإصحاح الثالث
لنتذكر
أن الفكرة الاولى في الرسالة هىي أن الإنسان خاطئ (18:1-20:3) ويسير بولس لإثبات
هذه الفكرة تباعاً فيقيم الحجة أولاً على الأمم (ص1) وثانياً على المثقفين من الأمم واليهود (ص2)
وأخيراً يأتي بالدليل على خطأ اليهود (ص3)؛ الأـمر الذي يجعله يصل إلى الاستنتاج
أن الجميع خطاة ليس من يعمل صلاح ولا واحد (ص3)
- وقد انتهى بولس في الاصحاح السابق بإطلاق مفهوم جرئ صادم. أن اليهودي الحقيقي هو يهودي القلب المختون الروح الذي ليس مدحه من الناس بل من الله وليس اليهودي حسب النسب أو الختان في الجسد.
في هذا الاصحاح: يتابع الفكرة الاولى للرسالة أن الإنسان خاطئ كما يلي:
أولاً يوضح بولس ما أثاره من مشكلة في الإصحاح السابق (1:3-8)
ثانياً يستكمل إدعاؤه بخطأ جميع البشر (9:3-20)
ثالثاً يبدأ الفكرة الثانية في الرسالة: إعلان حل الله
لمشكلة الإنسان (21:3-27)
أولاً بولس يوضح ما أثاره من مشكلة في الإصحاح السابق
(1:3-8) من خلال فكرتين:
- الفكرة الاولى: أن الختان أو كون الشخص يهودي ميزة؛ ولكن كون الشخص الذي له الميزة غير أمين هذا لا يعني إبطال أمانة الله: بل على العكس فان عدم أمانتهم تُظهر أكثر أمانة الله – حتى إذا اتفق البشر جميعاً على هذا - لان هذا يبرهن كذبهم. بكلمات اخرى انه اذا اتفق البشر جميعاً على عدم أمانة الله فإنما بالحقيقة يبرهنون على كذبهم وليس عدم أمانة الله. فالله أمين لكل مختون ولا يعني هذا أن يستبيح بفعل الشر ولا يلتزم بالناموس، واذا تعدى فعاقبه الرب لا يعني هذا عدم أمانة من الرب.
-
الفكرة الثانية: رد استباقي على الادعاء بأن خطيتي تُظهر بر الله بأن
هذه الفكرة إنسانية ومحض افتراء وهو لا يُعلِّم بمثل هذه التعاليم - وأن من يقول مثل ذلك يستحق الدينونة
ثانياً بولس يتابع الفكرة الاولى في الرسالة: الإنسان خاطئ (18:1-20:3)
o
ثالثا جميع البشر يستحقون الدينونة (9:3-20)
أ)
يستخدم بولس التعبير: أَنَحْنُ أَفْضَلُ؟ الذي قد يُشير
لأعضاء كنيسة رومية
ب)
ثم يأتي بالحقيقة الشاملة:
-
(رو10:3)كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ:«أَنَّهُ لَيْسَ بَارٌّ وَلاَ
وَاحِدٌ. تثير
سؤال كيف سييبرر الله
- (رو11:3)لَيْسَ مَنْ يَفْهَمُ. لَيْسَ مَنْ يَطْلُبُ اللهَ. تثير
سؤال هل سيفشل الله في خلاص البشر
- (رو12:3)الْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعًا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ
صَلاَحًا لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ. الدينونة
تشمل الجميع من هم تحت الناموس وغيرهم
ج) قمة العقدة في القضية:
قطع اخر خيط ممكن أن يُظن
أنه ينجي فقال (رو 3 : 20)لأَنَّهُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ كُلُّ ذِي جَسَدٍ لاَ يَتَبَرَّرُ
أَمَامَهُ. لأَنَّ بِالنَّامُوسِ مَعْرِفَةَ الْخَطِيَّةِ[1]. والمقصود أن حتى من ظن أنه
قد يخلص بأعمال الناموس، رجاؤه باطل، ليس لعيب في الناموس كما سيوضح فيما بعد لكن
لضعف الجسد، فلم يقدر إنساناً أن يُتمم الناموس. والسؤال الحرج الآن، كيف يمكن أن
يخلص الإنسان المذنب؟ كيف لقاضٍ عادل أن يعلن براءة مجرم فاجر؟!! .
o (أم 17 : 15)مُبَرِّئُ الْمُذْنِبَ وَمُذَنِّبُ الْبَرِيءَ كِلاَهُمَا
مَكْرَهَةُ الرَّبِّ.
o
(أى 9 : 2)«صَحِيحٌ. قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ كَذَا، فَكَيْفَ
يَتَبَرَّرُ الإِنْسَانُ عِنْدَ اللهِ؟ (أى
9 : 3)إِنْ شَاءَ أَنْ يُحَاجَّهُ، لاَ يُجِيبُهُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْ أَلْفٍ.
o
(أى 15 : 14)مَنْ هُوَ الإِنْسَانُ حَتَّى يَزْكُو، أَوْ
مَوْلُودُ الْمَرْأَةِ حَتَّى يَتَبَرَّرَ؟ (أى 15 : 15)هُوَذَا قِدِّيسُوهُ لاَ يَأْتَمِنُهُمْ،
وَالسَّمَاوَاتُ غَيْرُ طَاهِرَةٍ بِعَيْنَيْهِ، (أى 15 : 16)فَبِالْحَرِيِّ مَكْرُوهٌ
وَفَاسِدٌ الإِنْسَانُ الشَّارِبُ الإِثْمَ كَالْمَاءِ!
o
(مز 143 : 2)وَلاَ تَدْخُلْ فِي الْمُحَاكَمَةِ مَعَ عَبْدِكَ،
فَإِنَّهُ لَنْ يَتَبَرَّرَ قُدَّامَكَ حَيٌّ.
د) ويقدم بولس وصفاً تفصيلياً لنتائح الحالة السابقة:
(رو 3 : 13)حَنْجَرَتُهُمْ قَبْرٌ مَفْتُوحٌ. بِأَلْسِنَتِهِمْ
قَدْ مَكَرُوا. سِمُّ الأَصْلاَلِ تَحْتَ شِفَاهِهِمْ. (رو 3 : 14)وَفَمُهُمْ مَمْلُوءٌ
لَعْنَةً وَمَرَارَةً.
(رو 3 : 15)أَرْجُلُهُمْ سَرِيعَةٌ إِلَى سَفْكِ الدَّمِ.
(رو 3 : 16)فِي طُرُقِهِمِ اغْتِصَابٌ وَسُحْقٌ. (رو 3 : 17)وَطَرِيقُ السَّلاَمِ لَمْ
يَعْرِفُوهُ.
(رو 3 : 18)لَيْسَ خَوْفُ اللهِ قُدَّامَ عُيُونِهِمْ».
(رو 3 : 19)وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَا يَقُولُهُ النَّامُوسُ فَهُوَ يُكَلِّمُ
بِهِ الَّذِينَ فِي النَّامُوسِ، لِكَيْ يَسْتَدَّ كُلُّ فَمٍ، وَيَصِيرَ كُلُّ الْعَالَمِ
تَحْتَ قِصَاصٍ مِنَ اللهِ.
أخي لاحظ؛ أن موقف الإنسان سئ لسبب ما عليه من ديون أ) الخطية ب) والخطايا
أما الخطية فهي الخطية المحسوبة[2]
عليه والخطية المنسوبة إليه: فسقطة
آدم قد نُسبت إليه (كفعل) وحسبت عليه كدين. أما الخطايا فهي الأفعال الخاطئة
التي يرتكبها كل شخص.
والمعضلة هنا: إذا حدثت معجزة غيرت طبيعته إلى طبيعه لا
تُخطئ (أي تم إزالة الخطية وتأثيرها) فسيكون لدى الإنسان سجل من الأفعال واحدة فقط
منها تجعله في جهنم للأبد. لذلك فالإنسان في وضع سئ جداً ويزيد الوضع سوءاً أنه لا
منقذ
ثالثاً الفكرة الثانية في الرسالة: حل الله لمشكلة
الإنسان (21:3-21:5)
سمات الحل: جوهر رسالة الإنجيل
1- هو بر الله : الكلمة يبرر تعني إعلان شخص برئ قضائياً أمام القانون ولا تعني جعله بار. فالله يعلن أننا أبرار (مستقيمين) في نظر الناموس، فالتبرير لا يجعلنا صالحين من الداخل لكن الله يفعل هذا من خلال التجديد (الولادة الجديدة) فالانسان الجديد مخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق أف24:4
2- هو بر مجاني: بلا فضة بلا ثمن (اش1:55) ويعني دون استحقاق للمفديين؛ ليس على سبيل الاجرة (17:5؛ أف8:2) مبني على دم يسوع (9:5؛ 1يو7:1)الذي قدمه[3] الله كفارة[4] لاجل:
a. الصفح عن الخطايا السالفة:
خطايا السابقين الذين بررهم الله دون دفع ثمن كافٍ (مثل ابراهيم، واسحق ويعقوب
ويوسف، ... ) فلم يكن هناك ناموس تمموه؛ ولا المسيح قدم ذبيحته بعد. الأمر الذي
يجعل الله في نظر الناس ليس عادلاً لانه برر الخاطئ بدون دفع ثمن.
b. إظهار بر الله: مات المسيح
علناً ليُظهر بر الله وعدله حين برر الآباء؛ فقد نقل خطايا السالفين عليه. كذلك
بره الآن حين يبررنا
c.
ليبرر كثيرين: إن دم المسيح ليس له صلاحية فقط على
الخطايا السالفة فقط بل ايضاً لكثيرين أخرين.
3- الحصول عليه بالايمان:
a. ما هو الايمان؟ هو أن تكف
عن أن تعمل شئ. فنحن لا ننال الخلاص بالإيمان باعتباره عمل أو فعل نقوم به. لكنه
فقط أن تثق في القادر. كذلك فالإيمان لايزيد من قيمة الكفارة.
b. ليس بأعمال الناموس. إن
إيمان بسيط أفضل من أعمال صالحة كثيرة. جسر متين مع ثقة بسيطة أفضل من أعمال كثيرة
وجسر ضعيف.
4- ليس له درجات:
فليس واحد مبرر أكثر من آخر؛ ولست مبرراً
اليوم بدرجة أقل أو أكثر من المستقبل.
5- يحدث مرة واحدة وللأبد:
المؤمن الحقيقي نال التبرير الذي
جعله في مقام مختلف وفي حالة مختلفة؛ فقد أصبح إبن ولم يعد مجرماً. ولن يحدث هذا
مرات كثيرة كما أن المسيح لن يموت مجدداً. قدم القدماء ذبائح مكررة لأنهم يكررون
الخطية ما يجعلهم مدانين يحتاجون لذبيحة تكفر خطاياهم فيطهرون؛ واذ مات المسيح مرة
واحدة وكانت كافية يصبح من العبث ان يفكر المتبرر:
a. بأن تبريره مؤقتاً
"لانه بقربان واحد قد أكمل إلى الأبد المقدسين ويشهد لنا الروح القدس أيضاً ...
ولن اذكر خطاياهم وتعدياتهم فيما بعد" (عب14:10-17) وحيث هناك مغفرة للخطية
بقربان جسد المسيح الذي قُدّم مرة واحدة فلا يكون بعد قربان آخر لغفران خطايا (للتبرير)
وإذ لنا هذه الثقة نتقدم إلى الأقداس بدم المسيح.
b. أن يعترف بخطاياه بعد
التبرير كمجرم أو مدان بل كأبن يعترف لأبيه. من سيشتكي الله يبرر.
6- له وجهان:
الأول غفران الخطايا لان المسيح دفع
ثمنها وهذا يرجعنا لنقطة الصفر. الثاني؛ يهبنا الحياة اذ حُسب بر الله لنا
(وُضِع في حسابنا). ويمكن فهم ذلك من الناموس: إفعل هذه فتحيا أي تستحق الحياة من
جهة حكم الناموس. ولم يستطع أحد أن يحفظها، إلا الذي أتم الناموس فاستحق الحياة
وقد وهبها لنا
فمن ناحية دفع يسوع ثمن الخطية وبالايمان ننال الحكم بالبراءة؛ ومن ناحية أخرى أكمل يسوع الناموس فاستحق الحياة وقد وهبها لنا ونحن نعيش على هذا الرجاء المبارك. والإصحاح الخامس يشير أيضاً إلى الوجهين: أ) لنا سلام مع الله (خطايانا غُفرت). ب) لنا أن نفتخر على الرجاء مبارك.
فمن ناحية دفع يسوع ثمن الخطية وبالايمان ننال الحكم بالبراءة؛ ومن ناحية أخرى أكمل يسوع الناموس فاستحق الحياة وقد وهبها لنا ونحن نعيش على هذا الرجاء المبارك. والإصحاح الخامس يشير أيضاً إلى الوجهين: أ) لنا سلام مع الله (خطايانا غُفرت). ب) لنا أن نفتخر على الرجاء مبارك.
7- للجميع:
(رو 3 : 22)بِرُّ اللهِ بِالإِيمَانِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ،
إِلَى كُلِّ وَعَلَى كُلِّ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ. لأَنَّهُ لاَ فَرْقَ. (رو 3 :
30)لأَنَّ اللهَ وَاحِدٌ، هُوَ الَّذِي سَيُبَرِّرُ الْخِتَانَ بِالإِيمَانِ وَالْغُرْلَةَ
بِالإِيمَانِ.
نتائج التبرير:
1-
لا افتخار لليهود ولا للأمم
2-
الله لليهودي والأممي
3-
التبرير بالايمان لا يُبطل الناموس بل يثبته
a. فالإيمان موضوعه عمل
المسيح الذي سدد العقوبة التي نص عليها الناموس
b. غاية الناموس كمؤدب هي
قيادتهم إلى المسيح نظراً لعجز هم عن إطاعته وإرضاء الله
c.
التبرير بالإيمان يمنح القوة لإطاعة الناموس كقانون
للحياة وليس كوسيلة للخلاص
[1] وظائف الناموس:
1)يعرف الخطية ويكشفها ع20؛ 7:7 2) يُنشئ الخطية 8:7 3) مؤدب لليهود حتى يصلوا
للمسيح غل23:3-24
[2] الكلمة ينسب أو
يحسب: يمكن فهمها من نص فليمون17-18؛ مز2:32؛ ومايفعله الكاهن يوم الكفارة لا16:
يجعلها على رأس التيس، ... ليحمل التيس عليه ذنوبهم؛ وتستخدم نفس الكلمة للخطية في
رو5:4؛ 13:5. راج 2كو14:5؛ رو19:5 هللويا: الرب وضع عليه إثم جميعنا ... آثامهم هو
يحملها إش53. اقرأ أيضاً 1بط24:2؛ عب28:9
[4] الكلمة كفارة في
العبرية تُشير الى غطاء التابوت؛ وهو الذي كان ينضح الكاهن عليه دم الذبيحة يوم
الكفارة للتكفير عن الخطايا؛ فدم يسوع كان كافياً لاسترضاء غضب الله وقداسته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق